أخبار العرب

حوار مع ربايعة | استهداف المخيمات الفلسطينية يهدف إلى محو رمزيتها وتحويلها لبيئة طاردة

[ad_1]

“الفلسطيني فراس سباعنة كان نائما في منزله الواقع في مدخل مخيم جنين، حين سمع أصوات آليات وجرافات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم المخيم، وقبل أن يدرك ما يحدث بالضبط، كان تجريف الشارع وتدمير شبكة المياه قد بدأ في محيط سكناه، وحين حاول استطلاع الأمر في الخارج، فوجئ بجنود الاحتلال يحطمون المحال التجارية، وعندما حاول النزول إلى مدخل العمارة منعه جنود الاحتلال، الذين بدأوا بالمناداة على سكانها لمغادرة منازلهم والتوجه إلى الطابق الخامس، وبعد انتقال الجميع إلى الطابق العلوي، قام الجنود باشعال النار في المحال التجارية الواقعة بالطابق الأرضي”.

تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”

هذا المشهد الذي نقله أحد المواقع الإخبارية لاقتحام مخيم جنين، يبدو كأنه صورة مصغرة عن غزة، حيث تستهدف حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل الحجر والشجر والبشر جميعا لانتمائهم الفلسطيني، وهو يتكرر في الآونة الأخيرة في أكثر من مخيم في الضفة الغربية المحتلة، فالدمار والتخريب وتجريف وتعطيل شبكات المياه والكهرباء وتدمير البنية التحتية، إلى جانب تدمير المحال التجارية والبسطات، سياسة اتبعتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخيمي طولكرم ونور شمس وغيرها.

المواطن أحمد الغول يروي لإحدى وسائل الإعلام، وهو يقف أمام ركام الشوارع التي تدمّرها جرافات الاحتلال بشكل دوري في مخيم نور شمس، عن تضرر المخيم ومعاناة أهله جراء الاعتداءات المتكررة، قائلا، لا يوجد أمان، كل يوم نوم برعب، آثار نفسية صعبة، اقتحامات واعتقالات شبه يومية.

التدمير طال البنى التحتية، الشوارع الرئيسية في المخيم تم تجريفها، كما تم تدمير شبكات الصرف الصحي والكهرباء والمياه بشكل كامل، ولم يقتصر الأمر على الشوارع، فقد طالت آلة التدمير محلات ومرافق تجارية في المخيم (نور شمس)، إلى جانب تدمير مركز الشباب الاجتماعي وأربعة محال تجارية، والعديد من البسطات التي تشكّل مصدر رزق الكثير من العائلات.

وعودة إلى جنين، حيث ينقل الإعلام الفلسطيني من أحد الاقتحامات الأخيرة أن آليات وجرافات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تحاصر المخيم من جميع الجهات تمركزت في مداخل المخيم، بعد أن دمرت شبكات المياه والكهرباء، وجرفت الشوارع المؤدية إليه، ومع بدء الانسحاب في ساعات الصباح الأولى، تجمع المواطنون أمام ركام “الأقواس” المدمرة التي كانت تزين مدخل المخيم وشهدت أكثر من مرة احتفالات مقاتلي كتيبة جنين وأهالي المخيم بإخفاق اقتحامات الاحتلال السابقة.

ويبدو أن “الأقواس” التي بُنيت على شكل قوسين يعلوها مفتاح يرمز إلى العودة، تثير برمزيتها حفيظة جيش الاحتلال الذي حولها إلى جانب دوارات ورموز أخرى إلى حطام، وهو لا ينفك يستهدف المخيم كتجسيد مادي وفعل مقاوم شاهد على النكبة ومحطة على طريق العودة.

إبراهيم ربايعة

لإلقاء الضوء على استهداف الاحتلال للمخيمات الفلسطينية واقتحاماتها المتكررة، التي تطال أهدافها غير المعلنة المخيم ذاته كرمز وتجسيد للجوء الفلسطيني، أجرينا هذا الحوار مع إبراهيم ربايعة الباحث في الشأن السياسي والعلاقات الدولية.

“عرب 48”: قدمت مؤخرا مداخلة حول هذا الموضوع، ماذا تقرأ في ما وراء هذه الاستهدافات لمخيمات الضفة وما تريد إسرائيل تحقيقه من أهداف معلنة وغير معلنة؟

ربايعة: السؤال الذي نحتاج للإجابة عليه لإجراء مثل هذه القراءة هو هل هذا الاستهداف ممنهج، تراكمي ومحدد لمخيمات معينة أو هو جزء من الصورة العريضة والكبيرة للاستهداف الشامل لقضية اللاجئين والتي يدخل بضمنها موضوع وكالة الغوث – أونروا، وموضوع النقاش الذي احتدم في عهد الرئيس ترامب حول تعريف اللاجئ الفلسطيني وفي ما إذا كان يشمل كل اللاجئين الفلسطينيين، أم يقتصر على لاجئي الجيل الأول للنكبة فقط، وهو التعريف الذي تريد إسرائيل بواسطته طي ملف اللاجئين.

هذا النقاش الذي يقف وراء اتهام “الأونروا” تارة بالانحياز وعدم الحيادية وطورا بالفساد، في محاولة لإخراجها أو تحييدها وإعطاء دورها لمؤسسات أممية وإغاثية أخرى وبالتالي نزع الصبغة السياسية المؤسسة للأونروا كوكالة لغوث اللاجئين الفلسطينيين.

وكما نعرف فإن تأسيس “الأونروا” مرتبط بقرارات أممية على غرار قرار 194 الذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين والقرار المنشئ لوكالة الغوث الذي تحدث عن ذلك أيضا، والحقيقة أن القيود المفروضة على “الأونروا” اليوم تصل إلى حد الإقصاء والتحييد الشامل وإخراج مجموعة من المهمات من نطاق الوكالة.

“عرب 48”: تقصد أن إسرائيل بدأت بتطبيق حدود وقيود معينة على الأونروا في مخيمات الضفة الغربية؟

ربايعة: تم تطبيق مجموعة من الإجراءات مثل تقييد حركة العاملين بالوكالة، ومعروف أن حرية حركة العاملين مهمة لأغراض الحماية والاستجابة الفورية وبالتالي في حال وقوع أي اعتداء كان العاملون في “الأونروا” يتواجدون في المنطقة ذات العلاقة، كذلك تم فرض تقييدات على حركة دخول العاملين الأجانب حيث توقفوا عن منحهم تصاريح لفترات طويلة، وباتت تصاريحهم تقتصر على فترة شهر يتوجب تجديدها بشكل دوري، هذا إلى جانب احتجاز المواد التي تستورها الاونروا والتي هي بجزء كبير منها مواد غذائية، كما ان هناك شحنات تابعة للوكالة ما زالت محتجزة في الموانئ الاسرائيبية منذ شهر تشرين ثاني الماضي، كما تعمل إسرائيل على تأكيد عدم تجديد التمويل الأميركي للأونروا والذي يشكل مركبا أساسيا من ميزانيتها.

“عرب 48”: من الواضح أن إسرائيل لا تستهدف المقاومة في المخيم فقط بل تستهدف المخيم أيضا، وكل ما هو مرتبط به وبالقضية التي يمثلها؟

ربايعة: إسرائيل تستهدف المخيم والمقاومة أو المخيم كحالة مقاومة بالضرورة، فإذا أخذنا مخيم جنين تحديدا نرى كيف انتقلت المقاومة فيه حديثا من حالة فردانية إلى حالة منظمة أو شبه منظمة ولكن ليس بطريقة فصائلية.

وإذا نظرنا إلى الاجتياح الكبير للمخيم الذي اسموه عملية “البيت والحديقة”، نجد أنه وقع بعد تفجير مركبة عسكرية محصنة ما آثار غضب إسرائيلي قرروا على أثره القيام بعملية واسعة في المخيم، على غرار عملية “السور الواقي”، هذه العملية جاءت بمقاربة جديدة تواصل تنفيذها في غزة وهي تدمير البنية التحتية للمس بالحاضنة الشعبية وتحويل المكان إلى بيئة طاردة.

اللافت أنه في كل الاقتحامات التي تحصل في مخيم جنين يجلب جيش الاحتلال صورة من غزة ويكتب تحتها “لا تدعوا وضعكم يصبح مثل وضع غزة”.

“عرب 48”: يبدو من الاقتحامات الأخيرة أن الجيش الإسرائيلي يتبع “إستراتيجية غزة”، إذا صح التعبير، وهي إستراتيجية التدمير وأعمال الخراب في كل شيء، إلى جانب تعمد إيقاع المزيد من الشهداء وهو يستخدم في سبيل ذلك المعدات الثقيلة والمسيرات والطائرات؟

ربايعة: استطيع أن اعطيك بعض الأرقام المتوفرة من مخيم جنين، حيث جرى تدمير 13% من الشوارع و7% من شبكات المياه و47% من قنوات تصريف مياه الأمطار، كما يجري الحديث عن تدمير 230 منزلا بشكل كلي و2900 منزلا بشكل جزئي، وهذا التدمير جرى بشكل منهجي خلال تسعة اقتحامات متتالية.

الرسالة الإسرائيلية واضحة وهي أنكم كحاضنة شعبية ستدفعوا ثمنا، وهي تهدف من وراء ذلك إلى تحويل المقاومة إلى عبئ وتحويل الاختلاف إلى خلاف داخلي فلسطيني – فلسطيني بين الداعمين للمقاومة رغم كل شيء وبين من يزين الموضوع في ميزان الربح والخسارة.

ولتعزيز وتأجيج هذا الخلاف يتعمد جيش الاحتلال القيام باقتحاماته تلك أيام الجمعة والسبت، وهما اليومان اللذان سمح الاحتلال خلالهما بفتح حاجز الجلمة للمتسوقين من أهلنا في منطقة 48 للدخول إلى جنين.

من اشتباك مسلح بين شبان فلسطينيين والاحتلال في جنين (Getty images)

كما تعمد الاحتلال استهداف الرمزيات، إدراكا منه ان الجيل الجديد الذي نشأ على الصورة، التي تملأ فضاء وسائل التواصل، يعتد جدا بالرمزيات فهؤلاء لا يرفعون صور الرموز التاريخية للثورة مثل أبو عمار، بل صورة جميل العموري (مؤسس كتيبة جنين) ويلتقطون الصور عند الاقواس في مدخل المخيم، وبالتالي فان تدمير “الاقواس” و”الحصان” والميادين التي تحمل أسماء الرموز والشهداء كانت هدفا مهما لضرب معنويات هذا الجيل.

“عرب 48”: الخطورة من استيراد نموذج غزة إلى مخيمات الضفة الغربية يهدف إلى إفراغ المخيم ليس من مضمونه المقاوم فقط، بل من سكانه وإنهاء وجوده كتجسيد لقضية اللاجئين؟

ربايعة. لا شك أن هذا أحد أهداف الاحتلال، إلى جانب تحويل هذه المنطقة الحصينة التي صنعتها المقاومة إلى منطقة مستباحة، لكن ما يجري في الواقع هو أن المخيم يمتد والفكرة تتسع والمقاومة تنتقل إلى المخيمات الأخرى بنفس التكتيكات ونفس الإستراتيجيات، وتزحف إلى المدن الحاضنة لهذه المخيمات، حيث نتحدث عن مخيم طولكرم ونور شمس وعقبة جبر وبلاطة وغيرها، كما أن مخيم جنين كظاهرة بات يشمل كل المدينة والقرى المحيطة، والاحتلال في سعيه المحموم لقمع المخيم حوّل المنطقة كلها إلى مخيم وفي محاولاته للقضاء على ما يسميها بؤر المقاومة يشعل الضفة كلها.

“عرب 48”: لا نعرف إذا كنا نستطيع تسميته فشلا ولكن الاحتلال بدأ يتكبد خسائر ويدفع ثمن اقتحاماته في جنين وطولكرم وغيرها؟

ربايعة: لا شك أنه مقابل إستراتيجية الاحتلال في تحويل المخيم إلى بيئة طاردة تقف إستراتيجية المقاومة التي تسعى لتحويله إلى نموذج مشتبك، شرس وملهم للانتقال إلى منطقة أخرى، فالمخيم تحول إلى قبيلة سياسية وتحرك نحو المدينة وقراها المحيطة، وعلى سبيل المثال فإن التفجير الأخير الذي أوقع قتلى وجرح في صفوف قوات الاحتلال لم يحدث في المخيم، بل خارج حدود المخيم وخارج حدود المدينة أيضا، كما أن الاقتحامات لا تقتصر على المخيم بل هي تشمل أحياء في المدينة وتمتد للقرى المجاورة، وهذا يعني أن فكرة حصار المخيم وعزله قد سقطت لأن المخيم لم يعد جغرافيا فقط.

أما المقاربة الجديدة التي قد تصل اليها إسرائيل بعد تفجيري جنين وطولكرم فأعتقد أن الفكر الصهيوني واضح في هذا المجال، وهو يعتمد مقولة ما لا يحل بالقوة يحل بمزيد من القوة، وبالتالي فإن الذهاب إلى المقاربة السياسية بعيد جدا في التعامل مع الضفة الغربية، كما أن الحل الاقتصادي فشل والحل الأمني بدون اقتصادي وسياسي لن ينجح والمقاربة العسكرية إجابتها واضحة في غزة.

“عرب 48”: باعتقدك ما الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه في الضفة تحت دخان الحرب على غزة؟

ربايعة: دولة المستوطنين، وليس الضم كما ننظر إليه نحن فقط، أعتقد أن إسرائيل ذاهبة إلى أن تجعل دولة المستوطنين” في الضفة تتمتع بنوع من أنواع الحكم الذاتي، لتصدير القائد المزعج صهيونيا إلى الضفة، وأعتقد أن استشعار القلق من قبل الصهيونية العلمانية كان باديا في تظاهرات “الانقلاب القضائي، لذلك فإنهم يريدون تصدير القائد المزعج إلى الضفة لحماية إسرائيل”.

هذا يعني إقامة تشكيلات شبه دولانية في الضفة الغربية، “مليشيات” وغيرها، ويبدو أن سموترتش يقوم في إطار منصبيه في المالية ووزارة الأمن بإنجاز مشروعه الاستيطاني ذاك على أكمل وجه، وأعتقد أن إسرائيل ليس لديها مشكلة أن تكون في المستقبل وسيط بين المستوطنين والفلسطينيين.


* إبراهيم ربايعة: باحث وأكاديمي في السياسة والعلاقات الدولية وأستاذ غير متفرغ في جامعة بيرزيت.



[ad_2]
Source link

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button