المقاومة كالسمك لا تعيش من دون ماء الشعب
[ad_1]
أثار البيان الرئاسي بخصوص مجزرة مواصي خان يونس، التي ارتقى فيها نحو 100 شهيد و300 جريح، ردودًا عاصفة وغاضبة؛ كونه ساوى في المسؤولية عن المجزرة بين دولة الاحتلال وإدارة بايدن وحركة حماس، لدرجة أن حركة حماس والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب وحركة المبادرة طالبوا بسحب البيان وعدّوه خطأً كبيرًا، واعتبروه محاولة لإفشال حوار المصالحة المقرر عقده في العاصمة الصينية بكين خلال الأسابيع القليلة القادمة.
جاء هذا البيان استمرارًا وتتويجًا وتطورًا في الاتجاه المعاكس لموقف الرئيس محمود عباس منذ السابع من أكتوبر، حيث بدأ باعتبار ما قامت به “حماس” لا يمثل الموقف الفلسطيني، ثم اعتبار ما قامت به يوفر الذرائع للاحتلال، وأخيرًا المساواة ما بين الضحية والجلاد في المسؤولية عن مجزرة مواصي خان يونس.
لماذا ساوى الموقف الرئاسي بين الضحية والجلاد؟
كيف نفسر هذا الموقف الذي يمكن أن يزيد الفجوة الواسعة أصلًا ما بين الرئيس والشعب الفلسطيني، إلى حد أن 90% من المستطلعين في استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية طالبوا الرئيس بالاستقالة.
أولًا: ما يتبادر إلى الذهن عند التفكير بتفسير موقف الرئيس هو أنه غاضب؛ لأن “حماس” قامت بعمل انفرادي من دون استشارة أحد، بما في ذلك الرئيس، وبذلك عليها تحمل نتائج ما قامت به. وتعقيبًا على ذلك قال الكثيرون إن عمل بضخامة طوفان الأقصى لا يمكن إفشاؤه قبل تنفيذه، بدليل عدم إعلام محور المقاومة؛ لأن إفشاءه يحكم عليه مسبقًا بالفشل. كما أن واقع الانقسام الذي عبّر عن برنامجَيْن وأوجد سلطتَيْن متنازعتَيْن هو المسؤول عن انفراد كل منهما في كل شيء، لا سيما في ظل تعطيل إجراء الانتخابات وغياب المؤسسات الشرعية وتغييبها وتجويفها، لدرجة ليس من قبيل المبالغة القول إنها ماتت منذ سنوات طويلة موتًا سريريًا؛ أي جُمدت ووضعت في غرفة الإنعاش.
ثانيًا: يمكن أن يفسر الموقف الرئاسي بأنه محاولة للنأي بالنفس عن طوفان الأقصى، حتى لا تتحمل السلطة والشعب عواقب تبني هذا العمل، ولعل ما شهده قطاع غزة من إبادة وكارثة إنسانية دليل على ذلك.
يمكن قبول هذا الموقف لو أن الحرب الإسرائيلية بدأت بعد طوفان الأقصى، أو تستهدف حركة حماس وحدها، أو حتى قطاع غزة فقط، بينما ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية ما قبل السابع من أكتوبر وما بعده يدل على أن هدف الحكومة الإسرائيلية تصفية القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها، وتحديدًا من خلال شن حرب إبادة وتهجير في القطاع، وضم متدرج للضفة وتهجير سكانها.
ثالثًا: يمكن أن يفسر موقف الرئيس بأنه ينطلق من تقدير خاطئ بأن نتيجة الحرب ستكون بلا شك هزيمة حركة حماس، وأن النأي بالنفس يمكن أن يفتح الطريق أمام السلطة لتكون من معسكر الفائزين، بما يمكنها من العودة إلى قطاع غزة. وعزز هذا التقدير دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تمكين السلطة بعد “تنشيطها وتجديدها” من السيطرة على قطاع غزة.
وأَضْعَف هذا التقدير، بل يبدده تمامًا، أن حكومة نتنياهو ترفض عودة السلطة إلى قطاع غزة، كما أعلن نتنياهو بعظمة لسانه بأنه يرفض “حماسستان” كما يرفض “فتحستان”، وأن هناك محاولات لإيجاد طرف ثالث بعيدًا عن “حماس” وعباس.
ما سبق يدل على أن الخشية من المواجهة والثمن من جهة والأمل بالفوز في النهاية من جهة أخرى هو ما يفسر موقف السلطة، ويتراوح وزن الخشية والأمل صعودًا وهبوطًا، وفق سير المعارك، وهل سيتواصل صمود المقاومة أم يتراجع وينهار، ومع تراجع أو تقدم الالتزام الأميركي بعودة السلطة إلى القطاع بوصف ذلك مقدمة لتحقيق ما يسمى “حل الدولتين”، في ظل صمود المقاومة غير المتوقع للشهر العاشر على التوالي.
شبح الحرب الأهلية يحلّق في الأجواء الفلسطينية
تكمن الطامة الكبرى في أن ما يحصل من رفض متبادل بين “حماس” و”فتح”، بل تحريض يصل إلى حد الشيطنة والتخوين المتبادل ينذر بحدوث عواقب وخيمة أهمها اقتتال داخلي، وما حصل مع أمين عابد وما تقوم به قوات الاحتلال من استهداف لكل مظاهر السلطة لبث الفوضى مجرد جرس إنذار مبكر لما يمكن أن يحصل.
ولا أبالغ في القول بأن شبح الحرب الأهلية بدأ يحلق في الأجواء الفلسطينية، ويمكن أن يكون أحد سيناريوهات “اليوم التالي” إذا استمرّ الانقسام وتعمّق وتحوّل إلى انفصال، ويدعم هذا السيناريو أن السلطة المتجددة يمكن أن يُسمح لها بالعودة إلى القطاع بقدر ما تستجيب للشروط الأميركية الإسرائيلية؛ أي بقدر ما تفقد ما تبقى لها من شرعية ومصداقية.
وإذا أخذنا السجال الداخلي حول الحرب وكيف يمكن إنهاؤها نموذجًا، نستطيع أن نرى إلى أين تسير الأمور.
دعوة “حماس” للاستسلام!
هناك دعوة مبطنة حينًا، وصريحة في أحيان أخرى، لحركة حماس للاستسلام، من خلال بذل كل ما يجب لوقف الحرب، حتى لو كان بتسليم المقاومين، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، أو وضع مسألة التفاوض بشأنهم بيد السلطة، على أساس أن حياة الشعب أهم من حياة المقاومين، ولأن قتل جنود إسرائيليين يقابله استشهاد أضعافهم من الفلسطينيين، إضافة إلى المضي في حرب الإبادة وجعل قطاع غزة أكثر وأكثر مكانًا غير صالح للعيش والاستخدام الآدمي.
والسؤال: هل هناك ضمانات بأن الاستسلام سيوقف مخطط تصفية القضية الفلسطينية وسيفتح طريق إقامة الدولة الفلسطينية، أم أنه سيفتح شهية دولة الاحتلال للمضي في تطبيق سياساتها التصفوية بمعدلات أسرع؟
ثمن مهر الحرية
في هذا السياق يتم وضع الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني في حساب الربح والخسارة، وأن المقاومة مفترض أن تحمي الشعب لا أن يحميها، مع أن المطلوب حرص متبادل من الشعب والمقاومة على تقليل الخسائر من الجانبين، فهما في الحقيقة جانب واحد. لذا، هناك من يقوم مثل الببغاء بترديد الدعاية الإسرائيلية بأن المقاومة حمت نفسها بالأنفاق، وتركت الشعب يواجه مصيره وحده، وأن المقاومة تستخدم الناس دروعًا بشرية، وأن الشعب يدفع الثمن والمقاومة بخير.
لا يدرك من يردد هذه الأقوال أن المقاومة مثل السمك؛ إذ لا يمكن أن تعيش إلا في ماء الشعب، وأنها لا يمكن أن تكون بخير إذا كان الشعب ليس بخير، أما الأثمان التي يدفعها الشعب والمقاومة فهي مهر الحرية والعودة والاستقلال.
ولا يوجد شعب ولا مقاومة تختار دفع الأثمان إذا كانت الحرية يمكن أن تتحقق بطرق أخرى سلمية ومن دون إراقة قطرة دم واحدة، ولقد جربت القيادة الرسمية الفلسطينية طريق المفاوضات والتنازلات وإثبات الجدارة وحسن النوايا والتنسيق الأمني والمقاومة السلمية، فماذا جنت سوى تعميق الاحتلال وتوسيع الاستيطان والعنصرية وتقطيع الأوصال والانقسام وتهميش القضية الفلسطينية وسير دولة الاحتلال نحو المزيد من التطرف والعدوان؟
ما سبق لا يعني أن المقاومة صنم نعبده، بل هي عمل بشري يمكن ويجب أن يخضع للتقييم والنقد والمراجعة لاستخلاص الدروس والعبر، ولكن على أساس أن المقاومة بكل أشكالها حق وواجب، ومن دون ممارستها لا يمكن دحر الاحتلال وتحقيق الحقوق والأهداف الوطنية. ولكن من المهم اختيار التوقيت المناسب لإجراء التقييم والمحاسبة، فعند اندلاع حريق في البيت يسارع الجميع إلى إطفاء الحريق وليس الانشغال بالبحث عمن أشعل الحريق ومحاسبته، وبعد إطفائه يتم البحث عن المسؤول عن اندلاعه ومحاسبته واتخاذ الإجراءات التي تحول دون تكراره.
قصف عمارة العكر في بيروت لاغتيال أبو عمار
أذكّر بحادثة حدثت أثناء معركة بيروت في العام 1982، حين قامت قوات الاحتلال بقصف عمارة سكنية لاغتيال ياسر عرفات الذي تمكن من مغادرة العمارة قبيل قصفها، وبلغ عدد الشهداء أكثر من 200. ولم يقل أحد حينها أن أبو عمار استخدم السكان دروعًا بشرية، وذلك لأن من واجب المقاومة أن تبذل كل ما يمكن لتجنيب الخسائر في صفوف المدنيين، ولكنها لا تستطيع أن تتجنب ذلك تمامًا ودائمًا، فيمكن أن يحدث خرق أمني، خاصة أن مساحة قطاع غزة صغيرة وتضاريسها مفتوحة، وتعرضت لقصف هائل لم يبق تقريبًا حجرا على حجر، بما في ذلك تدمير قسم غير محدد من الأنفاق .
الاحتلال هو المسؤول عن حرب الإبادة
وهنا، يجب التأكيد أن الاحتلال هو المسؤول الأول والأخير عن كل الجرائم والمجازر وحرب الإبادة، لأن ليس من حق الاحتلال الدفاع عن النفس مثلما ليس من حق المغتصب الدفاع عن نفسه، بينما من حق المغتصبة أن تقاوم من يغتصبها.
إنّ وجود المقاومين وقادة المقاومة بين الناس لا يعطي وفق القانون الدولي للاحتلال الحق في قتل وجرح المئات بذريعة استهداف قائد، وخاصة أن دولة الاحتلال تملك الإمكانات التقنية لاستهداف من تريد من دون مسح العمارة كلها من الوجود، بل المنطقة المتواجد فيها القائد المستهدف، كما فعلت مع الشهيد صالح العاروري، وقبله مع الشهيد أبو علي مصطفى.
في هذه المناسبة أعلق على كتّاب يدعون أنهم يقرون بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة المسلحة، لكنهم يجرّمون تجربة الكفاح المسلح برمتها منذ البداية إلى النهاية، بحجة أنها انتهت إلى نتائج كارثية، متناسين أولًا مسؤولية العوامل الخارجية والاختلال الفادح في ميزان القوى والتركيز على مسؤولية العوامل الداخلية فقط، وقافزين عن أن كل تجربة مرهونة بظروفها وخصائصها.
لولا الكفاح المسلح، رافعة النهوض الوطني الفلسطيني، على الرغم من كل أخطائه، والملاحظات التي وجهت إلى السياسات التي تحكّمت فيه، لما بقي نصف الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، ولما تحولت القضية الفلسطينية من قضية إنسانية إلى قضية سياسية تتعلق بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ولأصبحت القضية الفلسطينية نسيًا منسيًا، ولكانت الحركة الصهيونية استطاعت إقامة “إسرائيل الكبرى”، وطردت كل أو معظم الفلسطينيين تطبيقًا لشعارها الرئيسي مصادرة أكبر مساحة من الأرض والإبقاء على أقل عدد من السكان.
[ad_2]
Source link